الأحياء المحررة بالموصل.. بعد جحيم "داعش".. تسول مقومات الحياة
الأحياء المحررة بالموصل، بعد جحيم "داعش".. تسول مقومات الحياة
Ninawa
نينوى (العراق) / أحمد قاسم / الأناضول
دمار وخراب طال أغلب مبانيه، ومعه بات الحصول على مقومات الحياة الضرورية من طعام وماء وكهرباء من الأمنيات.
هذا هو حال قاطني حي "الزهراء" بمدينة الموصل، شمالي العراق، الذين كانوا ينتظرون بشغف التحرر من سلطة تنظيم "داعش" أملاً في مزيد من الرفاهية.
لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، لينخفض سقف مطالب سكان الحي من تحسين الخدمات التي توقفت طيلة فترة سيطرة "داعش" على المدينة، منذ صيف العام 2014، إلى مجرد البقاء على قيد الحياة، وانتظار ما تجود به المنظمات الخيرية من مساعدات إغاثية.
والحي الواقع شرقي الموصل ليس سوى نموذج مصغر لباقي الأحياء، التي تمكنت القوات العراقية من استعادتها منذ بدء العملية العسكرية "قادمون يا نينوى" في الـ17 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي؛ في الأوضاع المحياتية تكاد تكون واحدة في الوقت الراهن.
وبعد مرور أكثر من شهر على بدء العملية العسكرية، تمكنت القوات المشاركة فيها من تحرير منطقة "كوكجلي" وأحياء "السماح" و"الزهراء" و"القادسية الثانية"، شرقي الموصل، فيما اقتحمت أحياء "البكر" و"الاربجية"، ضمن المحور الشرقي، دون أن تعلن عن استعادتها بشكل فعلي بعد. وهذه الأحياء هي من أصل 65 حيا سكنيا في الموصل.
مأساة الحياة في حي الزهراء رواها العديد من سكان الحي في أحاديث مع مراسل "الأناضول".
إذ بدأت المواد الغذائية التي خزنها السكان في النفاذ يوماً بعد يوم؛ خاصة أن قوات "جهاز مكافحة الإرهاب" المسيطرة على الحي تواصل إغلاقه، وتمنع السكان من الخروج منه.
وحول ذلك، يقول علاء عزيز (44 عاماً) أحد سكان حي الزهراء: "المواد الغذائية نفدت لدينا؛ فمنا قمنا بتخزينه تحسبا للمعارك انتهى، والأسواق لا زالت مغلقة في الحي الذي تم تحريره حديثاً".
وأضاف عزيز: "القوات العراقية تقوم بتطهير الحي وتفتش المنازل بحثا عن مطلوبين من داعش، ولا يُسمح لنا بتجاوز الحي باتجاه الأسواق المفتوحة في أحياء أخرى في مركز المدينة لا تزال تحت سيطرة داعش".
ولم ينقذ سكان الحي من الجوع سوى المساعدات الغذائية التي تقدمها المنظمات الإغاثية، لكن من منهم يضمن استمرارها.
يقول بشير طه (56 عاماً)، وهو موظف متقاعد من سكان حي الزهراء: "لولا وصول قافلة مساعدات إنسانية لإحدى المنظمات (لم يحدد هويتها) إلى حينا لانتهى بنا الأمر بالجوع بعد نفاد مؤننا".
ويضيف: "الإثنين الماضي حضرت شاحنة كبيرة مُحملة بالمساعدات الإنسانية، وتم توزيعها على السكان".
وإذا توفر الطعام في الحي باتت مسألة طهوه معاناة أخرى، حسب "طه".
ويوضح: "لا نتمكن من طهي الطعام لعدم توفر الوقود والغاز السائل، لكن البعض يستعين بالخشب والحطب لإشعال النار والطهي عليها".
ويستغل بعض السكان الأشياء الخشيبة التي تحطمت جراء المعارك كوقود للطهي، ومنها أبواب ونوافذ المنازل، والموائد الخشبية.
يقول تحسين العلي (32 عاماً)، وهو عامل بناء: "أستأذنت من أحد المقاتلين في الجيش العراقي، وهو يجهز مركبته العسكرية بعتاد كان محفوظاً في صندوق خشبي، أن أحصل على الصندوق، بعدما يفرغه من محتواه، كي استخدمه في الطهي إذا لم يكن بحاجة إليه".
"العلي" المتوقف عن العمل منذ أكثر من عامين بعد توقف مشاريع الإعمار والبناء منذ سيطرة التنظيم على الموصل، لفت إلى أن سكان حي الزهراء لا تقتصر على توفير الطعام فقط؛ فالماء أيضاً صار صعب المنال.
ويقول: "السكان هنا يعيشون بدون مياه منذ 15 يوماً، وأوضاعنا بدأت تتفاقم شيئاً فشيئاً".
وعملا بقاعدة "الحاجة أم الاختراع"، حفر سكان بئرا ارتوازية بعمق وقطر ثلاثة أمتار أشبه وسط أحد الشوارع الرئيسية للحصول على مياه جوفيه.
وللمساعدة في جلب الماء من البئر أحضر السكان مولدة كهرباء صغيرة؛ لتشغيل مضخة تسحب الماء من البئر.
البئر كان يتجمع حوله العشرات من أبناء الحي؛ حيث يملأ أحدهم دلو بيده من الماء، بينما ينتظر آخرون دورهم للحصول على سائل الحياة.
وبينما كان ينتظر دوره للتزود بالماء، يقول عبد الله رأفت (43 عاماً) موظف في دائرة الجنسية لكنه متوقف عن العمل: "لقد أفرغت خزانات المياه الخاصة بمنزلي؛ فمنذ أسبوعين لم نتمكن من الخروج من منازلنا والخدمات معدومة في الحي فهو بلا ماء ولا كهرباء".
سكان حي الزهراء يحذزون، أيضا، من إمكانية انتشار الأوبئة والأمراض؛ فبعض الجثث لعناصر تنظيم "داعش" لا تزال تنتشر في شوارع الحي، وتنبعث منها الروائح الكريهة بسبب غياب الخدمات التي لم تستأنف العمل بعد.
وتطوق القوات العراقية الحي من كل الجهات ولا تسمح بدخول وخروج السكان من وإلى الحي؛ فالمناطق المحررة لا يُسمح لسكانها بالتنقل إلى الأحياء التي تخضع لسيطرة داعش.
واضطر بعض السكان إلى مغادرة منازلهم خاصة تلك التي تتواجد في الخطوط الأمامية للمواجهة مع تنظيم "داعش" ؛ خشية تعرضهم لهجمات.
تقول أم علي (63 عاماً): "أبلغتنا القوات العراقية بضرورة إخلائنا لمنازلنا وخصوصا في المربع الأول ضمن خطوط المواجهة مع داعش في حي الزهراء، بإخلاء المنزل خشية على حياتنا وعدم التوجه إلى الحي، إلا بعد الحصول على الموافقة الأمنية".
وتضيف: "أبلغونا بالرحيل وفتح أي منزل في حي الزهراء للمبيت فيه إن كان خاليا من السكان أو البحث عن عائلة تضمنا معها بشكل وقتي في المنزل".
وتابعت: "خرجنا مع جارتنا أم علاء التي اتصلت بأحد أقربائها الذي نزح باتجاه مخيم الخازر، شرق الموصل، وأبلغوها بانه بإمكانها استخدام منزلهم وتتوفر فيه بعض المياه والمؤمن".
وانطلقت معركة استعادة الموصل في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بمشاركة 45 ألفاً من القوات التابعة لحكومة بغداد، سواء من الجيش، أو الشرطة، مدعومين بالحشد الشعبي (مليشيات شيعية موالية للحكومة)، وحرس نينوى (سني)، إلى جانب "البيشمركة " (قوات الإقليم الكردي).
وتحظى الحملة العسكرية بغطاء جوي من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
ورغم مرور أكثر دخلت معركة الموصل أسبوعها الخامس، وحتى الان لم تحقق هذه العمليات إلا ما نسبته 5% من مجموع الاحياء السكنية داخل مدينة الموصل.
وتواجه القوات العراقية صعوبات كبيرة في التقدم داخل الموصل لاستعادة الأحياء السكنية بالموصل؛ نظرا لاستخدام تنظيم "داعش" للعبوات الناسفة والبراميل المتفجرة والسيارات المفخخة والقناصة وشبكة أنفاق، فضلاً عن ذلك معرفة عناصر التنظيم بجغرافية المنطقة.