"السيارات المفخخة".. سلاح "داعش" الأخطر بمعارك الموصل
خلال أسبوع واحد هاجم مسلحو "داعش" القوات العراقية بأكثر من 100 سيارة مفخخة
Iraq
العراق/أحمد قاسم-علي جواد/الأناضول-
صّعد تنظيم "داعش" من هجماته ضد القوات العراقية منذ انطلاق المرحلة الثانية من عمليات تحرير مدينة الموصل (شمال) في الـ29 من ديسمبر/ كانون الأول الماضي باستخدام السيارات المفخخة التي باتت تشكل سلاحه الأبرز في التصدي للقوات الحكومية.
وخلال أسبوع واحد (31ديسمبر/ كانون الأول إلى 6 يناير/ كانون الثاني 2017) هاجم مسلحو "داعش" القوات العراقية في محاور الشمال والجنوب والغرب والشرق بأكثر من 100 سيارة مفخخة بحسب بيانات يومية صدرت من قيادة العمليات المشتركة التابعة للجيش.
وتجاوزت أعداد السيارات المفخخة التي هاجم بها "داعش" القوات العراقية منذ انطلاق العمليات العسكرية في الـ17 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي الـ800.
ورغم إعلان قادة الجيش العراقي من أن القصف الجوي على مدى الأسابيع الماضية دمر العشرات من معامل التفخيخ الخاصة بإعداد السيارات الملغمة بمدينة الموصل، إلا أن هجمات "داعش" الانتحارية بالسيارات المفخخة أخذت بالازدياد.
خليل النعيمي، العقيد المتقاعد في الجيش العراقي، قال للأناضول إن "السيارات المفخخة التي يستخدمها تنظيم داعش في هجماته بالموصل هي إما مدنية أو عسكرية ويجرى عملية تدريعها من الخارج بما يمكن الانتحاري من بلوغ أهدافه وعدم التأثر بإطلاق النار من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقذائف الصاروخية".
وأضاف النعيمي أن "الجيش العراقي يستخدم حاليا صواريخ الكورنيت روسية الصنع (منظومة أرضية) للتصدي للسيارات المفخخة، بالإضافة إلى طيران الجيش عبر الطائرات المروحية الهجومية إلى جانب طائرات التحالف الدولي".
لكن التصدي لهذا النوع من السيارات في الأحياء السكينة- بحسب النعيمي- أكثر تعقيدا وصعوبة من المناطق المفتوحة على اعتبار أن الانتحاري يمكنه الوصول إلى هدفه سريعا قبل استهدافه.
وتابع النعيمي أن "القوات العراقية بمعارك الموصل لا تتبع نوع السيارات المفخخة التي تنفجر، فهي معروفة المصدر فإما أن تكون تابعة للجش أو الشرطة أو المؤسسات الحكومية الأخرى التي استولى عليها داعش عند سيطرته على الموصل، أو قد تكون سيارات لمدنيين من الموصل جرى مصادرتها من قبل المسلحين".
ولا تحتاج عملية تفخيخ السيارات من قبل مسلحي تنظيم "داعش" أمولاً طائلة، باستثناء الجهد اليدوي، كون المواد الأولية الداخلة في عملية تفخيخ السيارات متوفرة بكثرة داخل مدينة الموصل، بحسب خبير في مكافحة المتفجرات.
من جانبه، قال ياسر العبيدي رائد في مكافحة المتفجرات لـ"الأناضول"، إن "تنظيم داعش يعتمد على مواد أولية متوفرة لديه لتفخيخ السيارات، ومنها قنابل الهاون التي اغتنمها من معسكرات الجيش، إضافة إلى مواد كيميائية شديدة الانفجار كـ"C4"".
وأوضح أن "عملية تفخيخ السيارات يسبق إدخالها بورش صغيرة عادة ما تكون عبارة عن منازل لمهجرين لوضع الصفائح الحديدية على مقدمة وجوانب العجلات كي تقاوم إطلاق الرصاص والقذائف الصاروخية".
ووفقا للمعلومات الاستخبارية –بحسب العبيدي- فإن تنظيم داعش يمكنه إنتاج عشرات السيارات المفخخة يوميا بالاعتماد على خبراء لديه متخصصين بعمليات تفخيخ السيارات من بينهم عراقيون.
وتعّد السيارات المفخخة التي يقودها إنتحاريون التحدي الأكبر أمام القوات العراقية بمعارك الموصل خصوصا في الأحياء السكنية على خلاف المناطق المفتوحة التي يتم التصدي لها بسهولة عبر القصف الجو أو استخدام أنظمة الصواريخ الخاصة.
ويروي باسل محمود أحد عناصر قوات جهاز مكافحة الإرهاب (تابع للجيش) الصعوبات التي واجهها مع زملائه في التصدي للسيارات المفخخة خلال عمليات تحرير المناطق الشرقية من الموصل.
وقال محمود لـ"الأناضول": "أنا أحد الناجين من خمسة عمليات انتحارية نفذها داعش على القوات ضمن قطاع عملياتي، آلية التنظيم في القتال بمدينة الموصل تعتمد في الدرجة الأولى على وجود المدنيين ليتمكن من تصعيب المهمة القتالية على القوات ويمنعها من تنفيذ عمليات القصف المدفعي أو الجوي، ثم يعتمد على المفخخات وشبكة القناصة".
وأضاف أن "المواد التي يستخدمها تنظيم داعش في تفخيخ السيارات خطرة جدا وضررها بالغ، وعدم التمكن من إحباط بعض الهجمات بها يعود الى أن التنظيم يلجأ إلى تفخيخ السيارات الحديثة التي استولى عليها من المدنيين النازحين فتكون سريعة جدا".
ويرى المراقب لعمليات تحرير الموصل عمر الصواف، الحاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم العسكرية، أن تنظيم "داعش" يستغل عدم معرفة بعض القوات العراقية كيفية التعامل مع السيارات المفخخة ليهاجمها بمعارك الموصل.
وفي حديث للأناضول، قال الصواف إن "السلاح الفتاك لتنظيم داعش في حرب الموصل هو السيارات المفخخة التي يرسلها نحو القطعات الأمنية ويلحق بها خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، مستغلا عوامل عدة أبرزها عدم معرفة القوات المهاجمة بالطبيعة الجغرافية لمدينة الموصل والتي تعد صعبة للغاية وحساسة".
وأوضح الصواف أن "فترة العامين ونصف العام من سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل مكنته من الاستعداد للمعركة، فنجح بإنشاء شبكة أنفاق تربط أزقة الحي الواحد بعضها بالبعض، وقام بتفخيخ مئات السيارات وصناعة العبوات الناسفة والبراميل المتفجرة".
وتابع الصواف قائلا ان "إعاقة تقدم القوات الحكومية يصب في صالح تنظيم داعش لترتيب وضعه في الجانب الأيمن للموصل وتحضير المزيد من المفاجئات للقوات المهاجمة".
ويشير الخبير العسكري عدنان الجواري إلى أن تنظيم "داعش" غير من أسلوب إدارته للمعارك في الموصل عما كانت معتمدا في معاركه السابقة في محافظتي صلاح الدين (شمال) والأنبار (غرب) والتي اعتمد فيها أسلوب المواجهة العسكرية (الاشتباكات).
الجواري قال لـ"الأناضول"، إن "التنظيم لم يعتمد بشكل واضح وصريح وأساسي في جميع المواجهات المسلحة السابقة التي خاضها ضد القوات الأمنية على أسلوب المفخخات، فخلال معركة تحرير تكريت (قضاء تابع لمحافظة صلاح الدين شمالي العراق) كان القتال يدور بين مجموعة من عناصره وأخرى من مقاتلي القوات المسلحة النظامية، وهو الأمر ذاته في جميع المدن العراقية التي كانت تحت سيطرته وتقدمت القوات لاستعادتها".
الخبير العسكري أوضح أن "اعتماد التنظيم على المفخخات له دلائل هامة وهي أنه يعاني من نقص المقاتلين وأصبح عاجزا عن المواجهة المباشرة، فذهب يعتمد على ذلك الأسلوب لتأجيل القضاء عليه".
واستبعد الجواري أن "تتسبب الهجمات بالسيارات المفخخة بانكسار القوات المسلحة العراقية رغم خطورتها البالغة على أرواحهم ومعداتهم".
وبين أن "الحد منها والتغلب عليها لم يعد أمرا صعبا فبمجرد تعزيز الدور الاستخباراتي والاستعانة بقوات لتطهير الأحياء بعد تحريرها سيكون معدل هذه العمليات قد انخفض نحو التلاشي".
ونجح تنظيم "داعش" خلال الأيام الماضية بشّن هجمات انتحارية بسيارات مفخخة داخل الأحياء المحررة والخاضعة تحت سيطرة القوات الحكومية، ما يؤشر إلى وجود مناطق غير محمية يمكن للتنظيم استغلالها وشن المزيد من الهجمات بحسب محلل سياسي.
عطوان الساعدي قال لـ"الأناضول إن "خروج سيارتين مفخختين من منزلين في المناطق المحررة بالجانب الأيسر لمدينة الموصل تقف بالقرب منهما عربات عسكرية تابعة لقوات التحرير دليل واضح على ضعف الجهد الاستخباراتي للقوات العراقية".
وأشار الساعدي إلى "وجوب معالجة الثغرات في خطة تحرير الموصل لحماية القوات المسلحة العراقية من العمليات الإرهابية، ومنع استنزاف قدراتها، والإسراع في عملية استعادة المناطق من سيطرة داعش".
ويقول قادة في الجيش العراقي إن قواتهم تتصدى بشكل متواصل للسيارات المفخخة التي يعتمدها التنظيم لإيقاف تقدم القوات نحو الأحياء الخاضعة لسيطرته.
وقال العميد الركن سهيل شمس الدين أحد قادة قوات الفرقة المدرعة التاسعة في الجيش العراقي والمسؤول عن حركات القوات في المحور الجنوب الشرقي لمدينة الموصل إن "القوات الأمنية تمكنت خلال الأسبوع الأول من عام 2017 إحباط 13 هجوما انتحاريا نفذه تنظيم داعش على مواقعها".
شمس الدين أضاف لـ"الأناضول" أن "القوات تمكنت من تحرير أهم أحياء جانب الموصل الأيسر والتي كانت تعد مركز قوة لتنظيم داعش".
ويتوقع خبراء عسكريون أن تكون معارك الجانب الغربي من مدينة الموصل أكثر صعوبة من المعارك الجارية في الجانب الشرقي للمدينة كونها تمثل المعقل الرئيسي لتنظيم "داعش" إضافة إلى أنها تضم العديد من الأحياء السكنية ذات الأزقة الضيقة التي لا تسمح للسيارات العسكرية بحرية الحركة.