عودة المغرب للاتحاد الإفريقي.. مكاسب سياسية يعززها ثقل اقتصادي
بعد غياب استمر لأكثر من ثلاثة عقود
Rabat
الرباط / خالد مجدوب / الأناضول
رسم خبراء مغاربة خارطة طريق لبلادهم عدّدوا فيها المكاسب السياسية والاقتصادية عقب العودة إلى الاتحاد الإفريقي، بعد غياب استمر لأكثر من ثلاثة عقود.
واعتبر الخبراء الذين استطلعت "الأناضول" آراءهم أن يصبح المغرب "ورقة صعبة" داخل ملعب المنظمة الإفريقية، بعد تجاوز "الكرسي الفارغ"، خصوصا مع ثقله الاقتصادي باعتباره ثاني مستثمر بالقارة، علاوة على صفة "الشريك المتقدم" مع الاتحاد الأوروبي، مما يتيح له استثمارها للرفع من مستوى العلاقات بين القارتين العجوز والسمراء.
وصادقت قمة الاتحاد الإفريقي رسميا أمس على عودة المغرب لعضويته بعد أكثر من ثلاثة عقود من انسحابه؛ احتجاجاً على قبول الأخير لعضوية جبهة "البوليساريو"، التي تطالب بانفصال إقليم الصحراء عن المغرب.
وفي هذا السياق، قال الباحث المغربي في الصحراء والساحل، عبد الفتاح الفاتيحي، إن بلاده "حققت مكسب سياسي، من خلال تجاوز وضع الكرسي الفارغ بالاتحاد الإفريقي، ومكسب اقتصادي من خلال الدفاع عن استثماراته الكبيرة بالقارة داخل المنظمة وتفادي إصدار قوانين تعرقل ذلك".
وأضاف في حديث للأناضول أن بلاده ستعمل على الواجهة السياسية والاقتصادية والإقليمية والدولية.
وفيما يتعلق بالواجهة السياسية، أوضح أن المغرب سيعمل على توقيف القرارات الصادرة عن الاتحاد المتعلقة بقضية الصحراء، خصوصا أنها تعاكس موقفه في هذه القضية، كما ستعمل بلاده على أن يكون الاتحاد مساندا لها في الأمم المتحدة في إشرافها على هذا الملف.
وبدأت قضية الصحراء عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، ليتحول النزاع بين المغرب و"البوليساريو" من جهة، وبين هذه الأخيرة وموريتانيا من جهة ثانية إلى نزاع مسلح، استمر حتى عام 1979 مع موريتانيا، التي انسحبت من إقليم وادي الذهب، قبل أن تدخل إليه القوات المغربية، بينما توقف مع المغرب عام 1991، بعد توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار.
وأعلنت "البوليساريو" قيام "الجمهورية العربية الصحراوية"، عام 1976 من طرف واحد، اعترفت بها بعض الدول بشكل جزئي، لكنها ليست عضواً بالأمم المتحدة، ولا بجامعة الدول العربية.
وتصر الرباط على أحقيتها في الصحراء، وتقترح كحل حكماً ذاتياً موسعاً، تحت سيادتها، بينما تطالب "البوليساريو" بتنظيم استفتاء لتقرير مصير المنطقة.
وعلى المستوى الاقتصادي، قال الباحث المغربي إن المغرب ثاني مستثمر بالقارة، ومن المتوقع أن يحتل المرتبة الأولى بعدما استثمر بشكل كبير مؤخرا، مثل إنشاء أكبر معمل للأسمدة بإثيوبيا، وإطلاق مشروع إنجاز خط إقليمي لأنابيب الغاز مع نيجيريا، مرورا على 11 بلدا.
وتابع الفاتيحي: "ومن ثم فإنه بعد دخوله إلى الاتحاد سيعمل على حماية هذه الاستثمارات، من خلال العمل على وقف إصدار تشريعات تعرقل هذه الاستثمارات، وإصدار أخرى لتفعيل اتفاقيات اقتصادية كثيرة وقعها مع دول إفريقية".
وبحسب الفاتيحي، فإن المغرب يسعى لتوسيع أكثر لاستثماراته بالقارة، خصوصا أنه وقع مؤخرا العديد من الاتفاقيات.
ثقل اقتصادي
بدوره، قال رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية (غير حكومي)، عبد الفتاح بلعمشي، إن "المغرب سيخلق نوعا من التوازن داخل الاتحاد الإفريقي، بالنظر إلى أنه سابقا كان ينتقد إدارة المنظمة القارية التي كانت تصدر في حقه توصيات تخالف موقفه فيما المجال القضية الصحراء".
وأضاف أن بلاده "تجاوزت نقطة ضعفها، والمتمثلة في كون قضية الصحراء كانت تعوق دخولها في علاقات مع دول أخرى، وأن هذه القضية لا تعتبر الملف الوحيد الذي جعل البلاد تقرر العودة إلى الاتحاد الأفريقي".
وأشار رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية إلى أن بلاده ستعمل على 3 مستويات بعد عودتها للاتحاد الإفريقي، الأول مساعدة الدول التي تسعى إلى الديمقراطية، والثاني الدخول في شراكات اقتصادية مع دول أخرى تريد العمل في مجال التنمية، والثالث يتعلق بخلق نوع من التوازن داخل المنظمة مع الدول التي بقيت حبيسة صراعات سياسية.
واعتبر أن المغرب من الناحية الإقليمية والدولية ممكن أن يلعب وسيطا بين أفريقيا وأوروبا بعدد من الملفات، بصفته مستفيد من وضع "شريك متقدم" مع الاتحاد الأوروبي منذ 2008.
وتعتبر مرتبة "شريك" متقدم مع الاتحاد الأوروبي مرتبة مميّزة يتم منحها للدول غير الأوروبية المتعاونة مع الاتحاد تتحصل بموجها الدولة على جملة من الامتيازات الاقتصادية خصوصا.
مواجهة "المناورات"
خالد السموني الشرقاوي، مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية بالمغرب (غير حكومي)، اعتبر من جانبه، أن بلاده "أصبحت واعية بأهمية العمل من داخل الاتحاد الإفريقي لمواجهة السياسات التي تضر بمصالحه".
وبين الشرقاوي أن "حضور المغرب داخل المنظمة إيجابي جدا، لأن ذلك سيساعده على الدفاع عن مصالحه وحقوقه المشروعة".
وأوضح أنه "في حال بقاء المغرب خارج المنظمة الإفريقية، فإن خصوم وحدته الترابية (لم يحددهم) سيزدادون قوة وتأثيراً، لكن بحضوره سيعمل على منع مناوراتهم المتنافية مع الأسس التي تعتمدها الأمم المتحدة لحل النزاع حول الصحراء، مما قد يساعد الاتحاد الإفريقي من الاضطلاع بدور بناء للإسهام إيجابيا في الجهود الأممية من أجل حل نهائي لهذا النزاع".
ورأى الشرقاوي أن "الزيارات التي قام بها العاهل المغربي محمد السادس لعدد من الدول الإفريقية دليل على ارتباط المملكة المغربية بجذورها وهويتها الإفريقية".
ولفت إلى أن الزيارات التي قام بها الملك محمد السادس في الشهور الأخيرة لكل من رواندا، وتنزانيا، والغابون، والسنغال، وإثيوبيا، ومدغشقر، ونيجيريا، توجت بمجموعة من الاتفاقيات والمشاريع شملت مختلف المجالات والقطاعات الحيوية.
وبحسب الشرقاوي، فإن إجمالي عدد الاتفاقيات الموقعة بين المغرب والعديد من البلدان الإفريقية بلغ أكثر من 590 اتفاقية، ساعدت الرباط من توسيع نفوذها الاقتصادي والمالي في القارة.
وفي أول خطاب له عقب العودة، تعهد العاهل المغربي بتعزيز النمو الاقتصادي في القارة الإفريقية، مؤكداً أن بلاده لم تتخل يوماً عن دورها في تعزيز حفظ الأمن والاستقرار في القارة رغم سنوات الغياب عن الاتحاد الإفريقي.