دولي

لاجئو "كاليه".. بين "قسوة" فرنسا و"مماطلة" بريطانيا (تقرير)

يتّجه مخيّم "الغابة" للمهاجرين في مدينة "كاليه" شمالي فرنسا نحو الإزالة نهائياً، عقب قرار تفكيكه من قبل السلطات الفرنسية، بحلول أواخر الشهر الجاري

Bilal Muftuoglu  | 15.10.2016 - محدث : 15.10.2016
لاجئو "كاليه".. بين "قسوة" فرنسا و"مماطلة" بريطانيا (تقرير)

France
باريس/ بلال موفتوأوغلو/ الأناضول

بعد أكثر من 10 سنوات على إنشائه، يتّجه مخيّم "الغابة" للمهاجرين في مدينة "كاليه" شمالي فرنسا نحو الإزالة نهائياً، عقب قرار تفكيكه من قبل السلطات الفرنسية، بحلول أواخر الشهر الجاري. وسط اتهامات لبريطانيا بـ"المماطلة" في استجابتها سريعا لقبول المهاجرين القُصر من هذا المخيم. تفكيكٌ كان يمكن أن يكون نعمة بالنسبة لآلاف المهاجرين ممن يعيشون في ملاجئ مؤقتة وفي ظروف سيئة لاقت استنكاراً واسعاً من قبل العديد من المنظمات الدولية، بينها الأمم المتحدة.
غير أن ما يحصل على أرض الواقع يمنح انطباعاً مخالفاً تماماً، على الأقل فيما يتعلّق بالمخاوف المتفاقمة ليس لدى سكان المخيم فحسب، وإنما أيضاً لدى جمعيات مساندة المهاجرين الحاضرة على عين المكان.

وفي الواقع، فإنّ عملية تفكيك مخيّم "الغابة" تعود إلى الثاني من سبتمبر/ أيلول الماضي، مع إعلان وزير الداخلية برنار كازنوف، رغبة حكومة بلاده تفكيك المخيّم "على مراحل"، قبل أن يجتمع الوزير مع إيمانويل كوس وزيرة الإسكان، إلى جانب الجمعيات الإنسانية، لتقديم الخطة المقترحة من السلطة التنفيذية.

وعلى إثر ذلك، كان لابدّ من انتظار زيارة الرئيس فرانسوا أولاند، في الـ 26 من الشهر نفسه، إلى مدينة "كاليه"، لتأكيد عملية التفكيك المقررة بحلول نهاية الشهر الجاري، على حدّ تصريحاته.

وتتمثّل خطّة الحكومة في إعادة توجيه المهاجرين نحو مراكز استقبال في جميع أنحاء فرنسا، مع تعداد أولئك الذين يرغبون منهم في التقدّم بطلب لجوء، وتسهيل عودة من يفضّلون العودة إلى بلدانهم الأصلية.

خطّةٌ أبدت المنظمات غير الحكومية موافقتها عليها على الأقل من حيث المبدأ، غير أن مواقفها بدأت تتبدّل مع الكشف أو بالأحرى مع تسريب تفاصيل عملية التفكيك.

البداية كانت مع المدافع عن حقوق الإنسان، "جاك توبون" (فرنسي) الذي وجه في وقت سابق رسالة إلى وزير الداخلية أعرب فيها عن تحفّظه حيال طريقة إدارة الدولة لعملية التفكيك، مسلّطاً الضوء على مصير المهاجرين القُصّر المقدّر عددهم بنحو ألف في مخيم "الغابة".

ويرى "توبون" في رسالته أن عملية تفكيك أكبر مخيّم في البلاد، يسكنه نحو 10 آلاف مهاجر، لا تقدّم تدابير كافية حول مسألة مرافقة القصر الموجودين في المخيم، أو بشأن استقبال "المنفيين" بمراكز الاستقبال والتوجيه، في جميع أنحاء فرنسا.

"توبون" دعا أيضا كازنوف، إلى تقديم معلومات بشأن أماكن الإقامة المتاحة للمهاجرين المقيمين في "كاليه" بمراكز التوجيه ومواقعها، علاوة على الخدمات المزمع تقديمها بمختلف المراكز والموارد المخصصة لذلك.

وعلاوة على ما تقدّم، أثار مصير المهاجرين القصّر اهتمام منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونسيف"، والتي دعت على لسان نائبة رئيسها في بريطانيا "ليلي كابراني"، إلى عدم ارتكاب أخطاء مشابهة لما حصل أثناء إجلاء الجزء الجنوبي من مخيّم "الغابة" في مارس/ آذار الماضي، حيث تقول منظمات حقوقية إن الشرطة تعاملت بـ"وحشية" مع اللاجئين آنذاك.

وحذّرت "كابراني"، في بيان مؤخراً، من أن "الأخطاء المرتكبة أثناء عملية الإجلاء المذكورة تتكرّر، وهذا سيؤدّي إلى اختفاء المزيد من الأطفال ليصبحوا ضحايا الانحراف، والبعض منهم مهدّد بأن يجد نفسه بدون مأوى في الشتاء".

من جانبها، دعت جمعيات مساندة المهاجرين، إلى تأجيل عملية التفكيك، للتعرّف على الحالات الخاصة في صفوف هؤلاء وتحديد احتياجاتهم للحماية.

"تييري كوهن"، رئيس جمعية "إيمايوس فرنسا" (حركة تضامنية مساندة للفئات الأشدّ فقرا في فرنسا)، رأى أن "جميع المعطيات المتوفّرة حالياً تمنح قناعة بأن الحكومة ستكرّر أخطاء سانجات (المخيّم القديم للاجئين شمالي البلاد/ وقع تفكيكه عام 2000)، وأخطاء تفكيك الجزء الجنوبي لمخيم الغابة".

وأضاف أن "الناس سيعودون، ولا ينبغي حجب الوجوه.. سيعودون طالما لن نكون قادرين على تقديم حلول ملائمة لمشاريع حياتهم، هذا بالإضافة إلى أن وجود الشرطة غير مناسب تماماً، حتى أن الأمر يبدو كما لو أن برنار كازنوف يبذل ما بوسعه من أجل أن يتحوّل الوضع إلى مواجهة".

جمعية "الإغاثة الكاثوليكية"، وهي من أبرز الجمعيات الناشطة في المخيم ومن بين المطالبين بتأجيل إزالته، لم تتأخر بدورها في إعلان موقفها، حيث استنكرت إقرار عملية التفكيك بـ"هذا الشكل السريع"، خلافاً لتصريحات السلطات أمام المنظمات غير الحكومية.

الجمعية قالت في بيان لها إن "أي تحضير جدّي للنظر في أوضاع هؤلاء المهاجرين يعتبر أمراً مستحيلاً في ظل الظروف الراهنة، والتشخيص المعلن والمتلخّص في التعداد العشوائي، لا يمكّن من تقييم أو احترام الحقوق الأساسية لهؤلاء المنفيين".

البيان نفسه حذّر من مخاطر "التخلّي التام" عن المئات من المهاجرين الذين يعيشون في الشوارع.

الجمعيتان لم تكتفيا بالتنديد، وإنما قامتا في مرحلة لاحقة باللجوء إلى المحكمة الإدارية بمدينة "نيس"، لـ "حثّ السلطات على إجراء تقييم دقيق لاحتياجات الحماية لجميع المنفيين الموجودين في المخيم، وذلك قبل الشروع في تفكيكه".

**العداء تجاه المهاجرين بمناطق الاستقبال
حيثيات التفكيك لا تعتبر وحدها الخطر الوحيد الذي يتهدّد المهاجرين خلال إقامتهم في فرنسا.

فالشهر الماضي، التهمت النيران مركزاً في إحدى ضواحي باريس، كان من المنتظر أن يستقبل المهاجرين، كما استهدف اثنان من المقرات بإطلاق نار، أحدهما غربي البلاد والآخر في جنوبها الشرقي، كانا أيضاً من المفترض أن يستقبلا مهاجري "كاليه".

أما "روبير مينار"، رئيس بلدية "بيزييه" (جنوب) والمحسوب على "الجبهة الوطنية" الفرنسية (يمين متطرّف)، فنشر في مدينته التي من المفترض أن تستقبل في المجموع 170 مهاجراً، ملصقات مستنكرة لقدوم المهاجرين من "كاليه"، كُتب عليها "الدولة تفرضهم (المهاجرين) علينا.. لقد وصل المهاجرون إلى قلب المدينة !".

**مماطلة المملكة المتحدة في استقبال المهاجرين القصّر

منظمة الصليب الأحمر كشفت، في تقرير لها مؤخرا، أن بريطانيا "لم تستجب" لدعوات السلطات الفرنسية بقبول المهاجرين القصّر من "كاليه"، متّهمة هذا البلد بـ"عدم تمتّعه بالسلطة التقديرية الكافية" بشأن الأضرار التي يمكن أن تلحق بهؤلاء الأطفال.

في المقابل، أعلنت وزيرة الداخلية البريطانية آمبر رود، قبل أيام أن بلادها ستستقبل "المئات من القصّر" قبل تفكيك مخيم الغابة، بالتعاون مع السلطات الفرنسية.

وشدّدت الوزيرة على أن البيروقراطية الفرنسية هي التي أدّت إلى تباطؤ عمليات إعادة توجيه هؤلاء القصّر إلى المملكة المتحدة وليست حكومتها.
في وقت تقول فيه باريس من جهتها إنه كان من المفترض أن يحظى القُصّر بحماية بريطانيا، إلاّ أنّ التعقيدات البيروقراطية وتردّد السلطات البريطانية، تسبّبت على ما يبدو في البطء على مستوى تدابير التكفّل بهؤلاء اللاجئين. ـــــــــــــأعدته للترجمة العربية: ليلى الثابتي

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.