اتهام الأئمة بالتجسس.. وصمة عار جديدة على جبين أوروبا (مقال تحليلي)
بقلم البروفسور الدكتور أوزجان خضر عضو الكادر التدريسي في جامعتي صباح الدين زعيم التركية وروتردام الإسلامية في هولندا
İstanbul
إسطنبول/ أوزجان خضر/ الأناضول
يواجه عموم الأتراك والأئمة منهم على وجه الخصوص في دول القارة الاوروبية خلال الفترة الأخيرة، اتهامات مجحفة حول قيامهم بالتجسس لصالح الدولة التركية ورئيسها رجب طيب أردوغان.
وبدأت هذه الاتهامات بملاحقة رجال الدّين، بعد أسابيع قليلة من محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في تركيا منتصف تموز/ يوليو الماضي، عندما اتهم أحمد تاشقان القاطن في هولندا وأحد أبرز الموالين لمنظمة غولن الضالعة في المحاولة الانقلابية الفاشلة، الأئمة الأتراك وادعى بأنهم عملاء وجواسيس يعملون لصالح تركيا ورئيسها أردوغان.
وعقب هذا الاتهام، سارع البرلمان الهولندي بالموافقة على مشروع قرار يمنع وصول التمويل المالي للأئمة الأتراك من تركيا، وتمّ عرض المشروع على مجلس الشيوخ للمصادقة عليه.
ومنذ ذلك الحين بدأت هذه الافتراءات والاتهامات تلاحق الأئمة الأتراك العاملين في عدد من الدول الأوروبية.
ففي فبراير/ شباط عام 2015 وافق المجلس الوطني النمساوي (الغرفة الأولى للبرلمان)، على مشروع قانون الإسلام الجديد، ينص على إخلاء البلاد من الأئمة الأتراك العالمين في مساجد تابعة للاتحاد الإسلامي بالنمسا، والامتناع عن استقبال أئمة جدد من تركيا.
وقال حينها المتحدث باسم حزب الخضر بيتر بيلز: "تركيا لديها 200 جاسوس في النمسا" في إشارة منه إلى الأئمة العالملين في عموم المساجد الموجودة داخل البلاد.
وفي ألمانيا قامت قبل عدة أيام، قوات الشرطة التابعة لدائرة البحث الجنائي الاتحادية بأمر من المحكمة الاتحادية الألمانية، بتفتيش منازل 4 أئمة أتراك في ولايتي شمال الراين - "وستفاليا" و "راينلاند بفالز"، يعملون في مساجد يديرها الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية (ديتيب)، بهدف البحث عن أدلة حول ادعاءات بخصوص قيامهم بالتجسس.
ولا يخفى على أحد أنّ الهدف الرئيسي من إطلاق هذه الافتراءات والاتهامات ضدّ الأئمة الأتراك، هو تشويه سمعة المؤؤسات الدينية التابعة لوقف الديانة ورئاسة الشؤون الدينية التركيتين، وبالتالي قطع الاتصال بين هذه الفروع ومؤسساتها الأم في تركيا، وتصوير هذه المؤسسات الدينية على أنها أصبحت مسيسة في عهد الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية.
ورغم أنّ الأئمة الأتراك العاملين في أوروبا نالوا العديد من الشهادات والمدائح الأوروبية التي تثبت وتقر بعدهم عن التطرف، فإنّ إثارة هذه الاتهامات قبيل الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا، أمر يدعو للتفكر ويطرح العديد من التساؤلات التي تتطلب الإجابة والبحث عن أهداف هذه الاتهامات.
- علاقة الاتهامات بالأحزاب اليمينية المتطرفة وأنصارهم
قد يتبادر إلى الأذهان سؤال حول علاقة الأحزاب اليمينية المتطرفة بالترويج لاتهامات التجسس ضدّ الأئمة الأتراك في أوروبا، فاتهامات التجسس الموجهة ضدّ الأئمة التابعين لوقف الديانة التركية، بدأت بالتصاعد في كل من هولندا والنمسا، بالتزامن مع اقتراب الأحزاب اليمينية المتطرفة من استلام زمام السلطة في هاتين الدولتين.
ففي هولندا يتوعد زعيم حزب الحريات غريت فيلدز الذي يتصاعد شعبيته، بمنع الإسلام في البلاد في حال فوزه في انتخابات 15 آذار/ مارس المقبل، وهناك العديد من الأحزاب الهولندية الأخرى التي تسعى إلى التقارب من فيلدز، تنتهج أسلوب التهجم على الإسلام والمسلمين، أملاً من الحصول على مقعد لنفسها في الحكومة المقبلة.
والأمر مشابه في النمسا، حيث يتوقع الجميع استناداً إلى استطلاعات الرأي، وصول الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى السلطة خلال الانتخابات البرلمانية القادمة.
وبالنظر إلى ألمانيا، فإننا نجد العديد من العوامل التي أدت إلى تصعيد موجة اتهام الأئمة بالتجسس، فمن أبرز هذه العوامل اتساع شعبية حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي روّج كثيراً للتصريحات المعادية للإسلام والمسلمين.
والسبب الآخر للترويج لهذه الاتهامات، هو وجود عدد لا يستهان به من منتسبي منظمة غولن الإرهابية في ألمانيا والمطلوبين من قِبل القضاء التركي، فالسلطات الألمانية لا ترغب في تسليم هؤلاء المطلوبين إلى تركيا، وعن طريق توجيه الاتهام للأئمة العاملين تحت مظلة الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية، تحاول السلطات الألمانية تقوية ذراعها والإصرار في عدم تسليم أنصار غولن إلى تركيا.
وليس من باب الصدفة أن يكون أكثر منتسبي منظمة غولن الفارين من تركيا عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، مقيمين في البلدان التي تكثر فيها الاتهامات ضدّ الأئمة الاتراك.
وزير العدل التركي بكير بوزداغ أعرب الخميس الماضي عن إدانته لمداهمة فرق الشرطة الألمانية منازل 4 أئمة أتراك، بذريعة ممارستهم أنشطة تجسسية، مشيراً أن السلطات الألمانية بدأت تحقيقات ومداهمات منازل رجال الدين الأتراك استنادًا إلى ادعاءات منظمة "فتح الله غولن" الإرهابية.
واعتبر الوزير التركي أن تفتيش منازل رجال الدين، خرقًا للدستور الألماني والاتفاقيات الدولية التي تضمن حماية حرية الدين والضمير، واتهم الحكومة الألمانية بعدم اتخاذ الاجراءات اللازمة بحق عناصر المنظمات الإرهابية الدموية وعلى رأسها "بي كا كا" و"د هـ ك ب ج" و"فتح الله غولن"، رغم وجود العديد من الأدلة.
وأردف قائلًا: "إنني أدين المداهمات التي طالت منازل رجال الدين التابعين لرئاسة الشؤون الدينية والعاملين في ألمانيا، وأدعو السلطات الألمانية إلى الكف عن ممارسة الاجراءات الاعتباطية غير القانونية والمخالفة لحقوق الإنسان والحريات".
وفي تصريحات لوسائل إعلام ألمانية قال رئيس الشؤون الدينية في تركيا محمد غورماز، إنه ما من عقل يقبل وصف جهود رجال الدين، وخاصة جهود ديتيب من أجل حماية المسلمين من الأفكار الخاطئة للمنظمات الشبيهة بفتح الله غولن وداعش، بالتجسس.
ومن غير المستبعد أن تطال هذه الاتهامات، باقي الأئمة العاملين في سائر البلدان الأوروبية، لا سيما مع سطوع شمس الأحزاب اليمينية المتطرفة، ووجود أنصار منظمة غولن الإرهابية في عموم الدول الأوروبية.